في المدينة المنورة، وأمام جبل أُحد الشامخ، يقف جبل صغير يحمل بين جنباته قصة عظيمة من دروس الطاعة والثبات والإيمان، إنه جبل الرماة، أو كما يُعرف أيضًا بـ جبل عينين، أحد المعالم التاريخية التي ارتبطت بواحدة من أهم معارك الإسلام: معركة أحد.
خلال معركة أحد، اتخذ النبي محمد ﷺ قرارًا عسكريًا بالغ الأهمية، حين وضع خمسين رامياً من خيرة الصحابة على قمة هذا الجبل الصغير، تحت قيادة الصحابي الجليل عبد الله بن جبير رضي الله عنه، وأوصاهم النبي ﷺ بعدم مغادرة مواقعهم تحت أي ظرف، سواء انتصر المسلمون أو انهزموا، وقال له:
“ادفع عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا، إن رأيتنا تخطفنا الطير فلا تبرح مكانك هذا، حتى أرسل إليك.”
وكان الهدف من هذا التمركز هو تأمين ظهر الجيش الإسلامي ومنع التفاف العدو عليهم من الخلف، وهو ما كان يمكن أن يُحسم به النصر بشكل نهائي.
مع بداية المعركة، بدأت الكفة تميل لصالح المسلمين، وتراجع جيش قريش، ما جعل بعض الرماة يظنون أن المعركة قد انتهت، فغادر معظمهم مواقعهم سعياً لجمع الغنائم، رغم محاولات عبد الله بن جبير رضي الله عنه منعهم وتذكيرهم بوصية النبي ﷺ.

غادر أربعون من الرماة مواقعهم، ولم يبقَ إلا عشرة فقط. في تلك اللحظة، استغل خالد بن الوليد – الذي كان لا يزال في صفوف المشركين حينها – هذا الفراغ، والتفّ بجنوده من الجهة الخلفية عبر الممر الذي تركه الرماة دون حماية، وكانت النتيجة كارثية: هجوم مباغت أربك المسلمين، واستُشهد عبد الله بن جبير ومعظم من بقي معه، وانهار صف المسلمين بعد أن كانوا قاب قوسين أو أدنى من النصر.
رغم الفوضى التي عمّت الصفوف الإسلامية، لم تغب ملاحم البطولة. فقد روى التاريخ مشهدًا مؤثرًا لـ أنس بن النضر رضي الله عنه، الذي صاح وهو يرى الاضطراب:
“يا سعد! إني أجد ريح الجنة دون أحد!”
ثم اندفع يقاتل بشجاعة حتى استشهد، وقد وُجد في جسده أكثر من 80 طعنة وضربة، ولم يُعرف إلا من خلال أصابع أخته التي تعرفت عليه.
دعاهم النبي ﷺ، وغفر لهم، واستمر في إشراكهم في الشورى، ليُعلّمنا أن الخطأ لا يلغي الثقة، وأن التربية لا تأتي بالعقاب فقط، بل بالاحتواء والمغفرة أيضًا.
اليوم، يُعد جبل الرماة وجهة بارزة للزائرين في المدينة المنورة، يقصده الحجاج والمعتمرون والسياح للتأمل في أحداثه واستلهام العبر من قصته. إنه أكثر من مجرد معلم جغرافي؛ إنه رمز للطاعة والانضباط، وتذكير دائم بأثر القرار الجماعي وأهمية الالتزام في المواقف المصيرية.
شاهد أيضاً:
دليلك إلى تلفريك الجبل الأخضر في أبها: مغامرة بين السحاب والطبيعة
اكتشف سحر أبها: دليل شامل لأجمل الأنشطة والتجارب في عروس الجبل
دليل جبل فهرين